2008/03/27

المولد النبوى الشريف ... النشأة ، الهدف

صورة من السبعينات .. الإحتفال بالمولد النبوى الشريف بمديان الشهداء بمدينة طرابلس / ليبيا
الليلة هى ليلة مولد سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم ... 12 ربيع الأول ... أولادنا ... بناتنا ... زوجاتنا ... عرائسنا ... المولد مناسة هامة للفرح ... توقد الشموع ... والقناديل ... وتتم تحنية البنات بحنة المولد ... رسوما تشكيلية على أيديهن وأرجلهن ( حنة بنات ) أما العرائس فالحنة( العرائسية )(1) هى السائدة في عرفنا ... أما ( الخط ولوح ) فهو بعيد الصلة عن المولد النبوي الشريف .. نغمة نشاز فى الجو الروحي الذي يعبق في بلادنا برائحة الدعوة الإسلامية وجهاد الفاتحين الذين انداح بهم الدين في الكون كله ... صلى الله على الحبيب المصطفى ... الليلة يختم ( البغدادي )(2) في معظم مساجد طرابلس ... كان ( للبغدادي ) سيط بعيد الشأو حتى زمن قريب ... كان احتفالا يضم كل الغوائل في ( الزاوية ) يوزع فيه ( الشاكار )(3) ، ومن بعده بزمن عندما تحسنت ظروف الناس ( الروزاتة والعبمبر ) . الليلة تتحلق البنات ... حلقات حلقات .. يحملن الشموع المضيئة الملونة ... والأولاد القناديل المضيئة .... والأغنية السائدة :
هادا قنديل وقنديل ... آمنة جابت خليل هادا قنديلك يا حوا ... يشعل من المغرب لتوا هادا قنديلك يا منانى ... يشعل بالزيت الغريانى هذا قنديل الرسول ... فاطمة جابت منصور هادا قنديل النبي ... آمنة جابت على (4)
الليلة هى ( الموسم )(5) تنشط فيه ربات البيوت لتخالف العادة ... فلابد أن تكون وجبة العشاء دسمة ( رشتة كسكاس واللحم عليها أكداس أكداس ) أو ( كسكسى بيه بطنى نعبى ) أو ( أرز بالبصلة ) وحول القصاع تتحلق الأسرة فى ( الحوش الكبير ) وان كانت قد بدأت هذه الرابطة فى الإنحلال (6) . فى صباح الغد تكون ( العصيدة ) جاهزة ... ساخنة .. أنضجتها ربات البيوت ... عصيدة بالرب(7) والزيت الحاراتى(8) ... عصيدة بالعسل والسمن العربي الواتى .. عصيدة بالعسل وزبدة اللورباك ( الدينمركية ) عليها نبيع عباتى ومن حالته ( رقيقة ) عصيدة بالزيت والسكر .... ياكل ويقنبر(6) . وينتهى المولد ....

أما حدَّثتكم أنفسكم وتساءلتم عن أصول هذه العادات ؟ ... عن منشأ عادة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ...
في صدر الإسلام وحتى القرن الرابع الهجري لم يكن هناك من المسلمين من يحتفل بالمولد النبوي الشريف .. فقد كان هم المسلمين هو الحفاظ على الدعوة والتبشير بها .. وهو ما يعتبرونه عيدا يخلد الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل لحظة فى وجدانهم وفى تقاليدهم وعاداتهم وفى بلدانهم أينما وصل مد الإسلام ... في القرن الرابع الهجري يقول المقريزي في كتابه الخطط ( 1/ ص 490 وما بعدها) : " ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم". قال:" وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي مواسم 'رأس السنة'، ومواسم 'أول العام'، و'يوم عاشوراء'، و'مولد النبي صلى الله عليه وسلم'، و'مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه'، و'مولد الحسن والحسين عليهما السلام'، و'مولد فاطمة الزهراء عليها السلام '، و'مولد الخليفة الحاضر'، و'ليلة أول رجب'، و'ليلة نصفه'، و'موسم ليلة رمضان'، و'غرة رمضان'، و'سماط رمضان'، و'ليلة الختم'، و'موسم عيد الفطر'، و'موسم عيد النحر'، و'عيد الغدير'، و'كسوة الشتاء'، و'كسوة الصيف'، و'موسم فتح الخليج'، و'يوم النوروز'، و'يوم الغطاس'، و'يوم الميلاد'، و'خميس العدس'، و'أيام الركوبات ' " (10) .
كان المعز الفاطمي شخصية شديدة الذكاء، أدرك أن عليه مهمة صعبة في أرض مصر لاختلاف العقائد، فأهل مصر سُنّة، لا مكان بينهم للشيعة أو الباطنية أو الإسماعيلية، وأدرك المعز أنه سوف يلاقي صعوبات جمة، ففكر في وسيلة يستميل بها قلوب العامة وأهل مصر حتى يروج أمره عليهم، فرأى أن أقرب السبل للوصول لرضا أهل مصر هو عمل شيء يدل على الولاء للنبي صلى الله عليه وسلم وآل البيت، لما كان عند أهل مصر من ميل لهم واعتقاد فيهم، فأحدث المعز الفاطمي بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وجعله مقدمًا على عيدي الفطر والأضحى! وأغدق فيه بالأموال والعطايا على الفقراء، وعلّق الزينات، وأقام الولائم، وسيّر المواكب العظيمة والجند الكثيرة بالأعلام والأبواق، فاستولى بتلك الاحتفالات والشعائر على قلوب العامة وفتنهم، وواكب تلك الاحتفالات وجود حالة من ا لقحط والجوع عند أهل مصر؛ فاستفادوا مما يوزع من هبات وصدقات وطعام وشراب، ووافقوا على هذه البدعة النكراء التي دخلت بلاد المسلمين على يد الفاطميين، وكان المعز يحتفل بالمولد أول الأمر في ثامن الشهر، ثم حدث خلاف على تعيين اليوم، فصار يقيمه سنة في الثامن، وسنة في الثاني عشر من ربيع أول.
وقال المقريزي في إتعاظ الحنفاء ( 2/ 48 ) سنة ( 394 ) : " وفي ربيع الأول ألزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بمصر". وقال في موضع آخر (3/99)سنة (517): " وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة " وانظر (3/105) (11) . ووصف المقريزي هيئة هذه الاحتفالات التي تقام للمولد النبوي خاصة وما يحدث فيها من الولائم ونحوها ( أنظر الخطط1 / 432 - 433 ) ، ( صبح الأعشى للقلقشندي 3 /498-499)(12) .
ونجد أن المناسبة تتسع لأورد شيئا من وصول المعز لدين الله الفاطمي إلى طرابلس الغرب : " .. وخليل بن إسحاق بن ورد كان مولده في طرابلس وهو من أبناء جنـــدها ، وكان في أول الأمر يطلب العلم والأدب ، ويصحب الصوفية ،حتى أنابه أبو القاسم بن عبيد الله الهـدي على جباية الغرامة التي فرضها على الطرابلسيين سنة 303هـ عندما أحتل طرابلس عنـوة وبذلك خالف أهلها ، فكان هو المتولي لعذابهم وأخذ أموالهم ، وذلك في أول دولة عبيد الله المهدي . وخليل هذا هو الذي أتم بناء جامع طرابلس الكبير وبنى منارته " ولكنه لم يمكث في طرابلس كثيرا ، فقد أتبع القائم أبا القاسم محمد بن عبيد الله المهدي في مسيره إلى محاربة أهل مصر ، ثم أنصرف إلى المهدية فقـدم على خيل أفريقيا وتولى جندها ، وخرج بعد ذلك إلى صقلية واليا على أهلها فأهلكهم جوعا وقتلا ، وكان يفتخر بما فعل ويقول : إني قتلت وأهلكت ألف ألف ، وكانت نهاية ابن إسحاق محزنة إذ قبض عليه ابن كيداد اليفرني لما استولى على القيروان سنة 332 هـ، فقتله وصلبه . ( 13 )
ومن الواضح أن الجامع المذكور قد شيّده الفاطميون في عهد المعز لدين الله الفاطمي ، الذي مكث في طرابلس , أثناء ذهابه وانتقاله إلى مصر، بين الرابع والعشرين من ربيع الأول ، والسابع عشر من ربيع الآخر سنة 362 هـ ، ويرى بعض المؤرخين أنه تقديرا من الخليفة لما قدمه سكان المدينة من حفاوة بالغة أثناء وجوده في طرابلس ، فقد منحهم الأموال لصرفها على تجديد وإعادة بناء وتوسيع جامع طرابلس . هذا الجامع دمره الأسبان سنة 1510 م ، وبقى في حالة خراب الى فترة الوالي التركي صفرداي الذي أعاد بناءه سنة 1610 م .
وهناك رواية تاريخية تقول أن الخليفة الفاطمي قدم لأهل طرابلس بعد الحفاوة التي لقيها والاستقبال الكريم، قدم لهم أموال بناء المسجد الكبير من الذهب الخالص محمولا في زمبيل على ناقة وبهذا سمى الجامع باسم ( جامع الناقة ) وما زال . لماذا العصيدة فى المولد النبوي الشريف ؟ سؤال جدير بالإجابة ... جرت عادة الليبيين على تقديم ( العصيدة ) عند قدوم المولود ... وتمتد لمدة أسبوع وهى تقدم للضيوف القادمين للتهنئة بقدوم ، ( والعصيدة ) كما هو معروف تعد من دقيق القمح أو الشعير أو خليطهما بنسب مختلفة، يصب الدقيق على الماء فى الوعاء ويلت ( بالمغرف ) ويكور بعد نضجه فى القصعة أو الصحن ، وتسقى بالعسل والسمن أو الزبد، والبعض يحبها ( بالرب وزيت الزيتون ) والبعض الآخر يحبها ( بالزيت والسكر ) وان كـان ذلك قليلا . كل مكونات ( العصيدة ) من الإنتاج المحلى ( الدقيق من الشعير والقمح ) ( السمن والزبد ) من الإنتاج الحيوانى المحلى، وتكون أطيب لو كانت كذلك ( الرب من إنتاج بلح النخلة البكرارى ) ( الزيت من إنتاج شجرة الزيتون ) وكلها متوفرة فى ليبيا ...
وكان القنديل من مكونات الإنتاج المحلى .. وهو لا يعدو عن قطعة من جريد النخل تشق من أعلاها طوليا ويثبت بها قطعتين من الحبال أو ثلاثة بعد أن تغمس في ( القطران ) مما يساعد على اشتعال النار فيها . أما الشموع فكانت بسيطة وغير مكلفة .. هى عبارة عن أصابع بيضاء من الشمع تستورد من الخارج . فإذا لم يتيسر الحال لا من ذاك ولا من هذا ( فالفتيلة ) كانت موفية بالغرض . الهوامش : (1) الحنة العرائسية نقشة خاصة بالحناء للعرائس اللاتي ما زلن فى عامهن الأول وقبل الولادة البكر ، وهى تختلف عن حنة المتزوجات قديما أو البنات الصبايا أو الصغيرات . (2) البغدادى : قصة المولد النبوى الشريف . (3) حلوى الشاكار : حلوى محلية تصنع من السكر المطبوخ فى الماء مع اضافة الألوان، وهى حلوى تركية المنشأ . (4) الأغنية أسوقها كمثال مع التحفظ لأنها فاطمية المشأ شيعية المذهب كما نرى تلك التأثيرات واضحة للجميع . (5) ليلة الموسم : الليلة التي تسبق المناسبة الدينية . (6) الأكلات ليبية صميمة ، و( الحوش الكبير ) هو بيت الجد أو الأب ( كبير العائلة ) . (7) الرب : هو الدبس ولكنه يؤخذ من البلح نوع ( البكرارى ) بعد أن يجف وهو معروف عند الليبيين . (8) الزيت الحاراتى : نسبة الى منطقة الحارات منطقة فى سوق الجمعة بطرابلس ليبيا كانت غنية بأشجار الزيتون، ومنه يصنع أفخر أنواع الزيت الطرابلسى . (9) يقنبر : يجلس ويرتاح فى اللهجة . (10) المقريزى : هو تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد، أبو العباس الحسيني البعلي الأصل (نسبة إلى بعلبك) القاهري المولد والنشأة، ويعرف بابن المقريزي نسبة إلى حارة المقارزة من حارات بعلبك . عاش والده في القاهرة ووليَ هو بعض الوظائف ومنها القضاء والحسبة. انتقل إلى دمشق عام 811 /هـ 1408م وأقام فيها عشرة أعوام مارس فيها التدريس وإدارة الوقف وعاد بعدها إلى القاهرة وفيها صرف حياته لكتابة التاريخ. وفي عام 834 /هـ 1430م توجه مع أسرته حاجاً وأقام بعض الوقت بالحجاز واستطاع أن يتعرف عن طريق الحجاج على بعض بلاد العرب وعاد إلى مصر سنة 839 / هـ 1435م إلى أن توفي فيها عن79 سنة. وقد صنف المقريزي كتباً في الجغرافية والتاريخ. ففي الجغرافية وضع كتاباً يعرف باسم (الخطط) وبه اشتهر وفيه ذكر ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم الماضية مع التعريف بحال مؤسسيها، وكان غرضه - كما أوضح في مقدمة كتابه - أن يعلم المرء ما كان جري في الأرض من الحوادث والتغييرات في الأزمنة المتطاولة والأعوام المتتابعة، فتتهذب بذلك نفسه وترتاض أخلاقه، فيحب الخير ويفعله ويكره الشرَّ ويتجنبه، ومن أجل ذلك سماه (كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) . وله في التاريخ كتاب (السلوك لمعرفة دول الملوك) وهو تاريخ مصر من سنة1181م-1440م( 577- 844/ هـ ) وكتاب (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة) وهو معجم لتراجم الأعيان من معاصريه وكتاب (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الخلفاء) وهو تاريخ الدولة الفاطمية وكتاب (الدرر المضيئة) في تاريخ الدولة الإسلامية من مقتل عثمان إلى المستعصم آخر الخلفاء العباسيين وكتاب (إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع) وكتاب (نبذة العقود في أمور النقَود) يشتمل على تاريخ. والمرجع هو كتاب ( الخطط ) كما هو مشار اليه فى النص . ينظر فى ذلك أيضا : الموسوعة العربية العالمية الورقية ، كذلك الموسوعة العربية الميسرة . (11) المقريزى : ترجمته كاليابق، المرجع كما فى النص : (نبذة العقود في أمور النقَود) يشتمل على تاريخ ( اتعاظ الحنفاء ) . ينظر فى ذلك أيضا الموسوعة العربية العالمية الورقية والإلكترونية، كذلك تنظر الموسوعة العربية الميسرة . (12) القلقشندى : هو القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندى ولد بقلقشندة إحدي قري مدينة قليوب سنة 756 هـ / 1355م ودرس بالقاهرة والإسكندرية على يد أكابر شيوخ العصر وتخصص فى الأدب و الفقه الشافعي وبرع فى علوم اللغة والبلاغة والإنشاء ، وقد عمل فى ديوان الإنشاء سنة 791 هـ فى عهد السلطان الظاهر برقوق واستمر فيه إلى أخر عهد الظاهر برقوق سنة 801 هـ ، وتوفي سنة 821 هـ / 1418م .ومن أهم مؤلفات القلقشندى كتابه أو موسوعته " صبح الأعشي فى صناعة الإنشا " الذى بدأ فى تأليفه على الأرجح سنة 805هـ وفرغ من تأليفه سنة 814هـ وقسمه إلى عشر مقالات ، وقد بدأ كتابه بمقدمة بالحديث عن فضل القلم والكتابة وصفات الكتاب وآدابهم وتاريخ ديوان الإنشاء وأصله فى الإسلام وقوانين الديوان ومرتبة صاحبه والتعريف بوظائف الديوان ، وانتهي بالمقالة العاشرة وهي خاتمة الكتاب ويتناول فيها نماذج فى المديح والفخر والصيد وما يتعلق بديوان الإنشاء فى غير شئون الكتابة مثل البريد وتاريخه فى مصر والشام والحمام الزاجل وما يتعلق به . (13) حركة اللجان الثورية، محاضرة أعدها الدكتور قريرة زرقون نصر وألقيت بقاعة المحاضرات في أكاديمية الفكر الجماهيري . (14) تنظر الموسوعة العربية الميسرة عن الفاطميين . (15) تنظر الموسوعة العربية العالمية الورقية عن الفاطميين .

ليست هناك تعليقات: